| 0 التعليقات ]



ان اصل الاديان واحد ، عبادة الله وان لا يشرك في عبادته شيء وهذه هي دعوة كل الانبياء والرسل قال تعالى [ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ]-(23-المؤمنون) فالأصل واحد والاختلاف في التشريع [ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ]-(67-الحج) . وهذا اسلفته في مقالة سابقة ولكن أحببت التذكير فيه لبيان سبب تعدد الشرائع وان كل شريعة تأتي ناسخة لما قبلها .

نبدأ بتعريف معنى النسخ :
- النسخ فى اللغة :
هو الإزالة والمحو .

- النسخ فى الشرع :
وقْفُ العمل بِِحُكْمٍٍ أَفَادَه نص شرعى سابق من القرآن أو من السنة ، وإحلال حكم آخر محله أفاده نص شرعى آخر لاحق من الكتاب أو السنة ، لِحكمة قصدها الشرع ، مع صحة العمل بحكم النص السابق ، قبل ورود النص اللاحق .
- وبعبارة اخرى هو رفع الحكم الشرعي، بخطاب شرعي. وعلى هذا فلا يكون النسخ بالعقل والاجتهاد .

ويجب على القارئ ان يضع في الحسبان ان مجال النسخ هو الأوامر والنواهي الشرعية فحسب، أما الاعتقادات والأخلاق وأصول العبادات والأخبار الصريحة التي ليس فيها معنى الأمر والنهي ، فلا يدخلها النسخ بحال .

وقد نسخت آيات في القرآن وهذا ليس بشيء معيب او ينقص من شأن القرآن الكريم ، فالقرآن هو معجزة محمد صلى الله عليه وسلم ، واعجازه في لغته التي كتب فيها ، فكما كان الحال من بداية الانبياء والرسل كان الله يتحدى الناس في ما اختصوا فيه ، فعلى زمن عيسى عليه السلام كان الطب مزدهر فتحداهم الله بأن أجرى على يده أن يشفى الاعمى ويبرأ الأكمه ويحيي الموتى وكله بإذن الله عز وجل ، وهكذا فعل ايضا مع موسى عليه السلام فقد تحداهم في السحر وهم أهله ، واهل الجزيرة العربية كانوا أهل لغة فكان التحدي لهم أن يأتوا بمثل القرآن الكريم كما قال تعالى [ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ]-(88-الإسراء) ثم خفض التحدي قال تعالى [أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ]-(13-هود) فبهذا إن نخلص الى نتيجة ان النسخ في القرآن الكريم شيء غير معيب او ينقص من حقه شيء فالله وحده من هو قادر على أن يأتي بمثل هذا الكلام المعجز .

- الآن يطرح تساؤل بما أن الله عالم كل شيء ، ولا يخفى عليه شيء ، وان علم الله أزلي فلماذا لم ينزل التشريع مباشرة ، ولماذا التبديل ؟؟
فنجيب ونقول ان علم الله أزلي وهو علام الغيوب ولا يخفى عليه شيء لا في السماء ولا في الأرض فهو الأول والآخر ليس شيء قبله ولا شيء بعده ، وسبب هذا التبديل ليس عجز أو قلة علم كما يدعي النصارى ، انما لحكمة وضعها الله .

 يحتل النسخ مكانة هامة في تاريخ الأديان، حيث أن النسخ هو السبيل لنقل الإنسان إلى الحالة الأكمل عبر ما يعرف بالتدرج في التشريع، وقد كان الخاتم لكل الشرائع السابقة والمتمم له ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا التشريع بلغت الإنسانية الغاية في كمال التشريع.
وتفصيل هذا : أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دوراً غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة وبساطة وضعفاً وجهالة، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويداً رويداً، ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متبانية، من ضآلة العقل وعماية الجهل وطيش الشباب وغشم القوة، على التفاوت في هذا بينهم، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعاً لهذا التفاوت. حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه، جاء هذا الدين الحنيف ختاماً للأديان ومتمماً للشرائع، وجامعاً لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية و مرونة القواعد، جمعاً وفَّقَ بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد، وأسر، وجماعات، وأمم، وشعوب، وحيوان، ونبات، وجماد، مما جعله بحق ديناً عاماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

- ومن الحكم أيضاً :
التخفيف والتيسير : مثاله : إن الله تعالى أمر بثبات الواحد من الصَحابَة للعشرة في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى :{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فهذا المثال يدل دلالة واضحة على التخفيف والتسير ورفع المشقة، حتى يتذكر المسلم نعمة الله عليه.

مراعاة لمصالح العباد و لظروفهم الحياتية : فلا شك أن بعض مصالح الدعوة الإسلامية في بداية أمرها، تختلف عنها بعد تكوينها واستقرارها، فاقتضى ذلك الحال تغيُّر بعض الأحكام؛ مراعاة لتلك المصالح، وهذا واضح في بعض أحكام المرحلة المكية والمرحلة المدنية، وكذلك عند بداية العهد المدني وعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.


ابتلاء المكلف واختباره حسب تطور الدعوة وحال الناس واختباره بالامتثال وعدمه  .
وبعد هذا الايجاز لحكمة النسخ في القرآن الكريم أود ان استشهد بمثال ضربه استاذي الدكتور سيف الله - حفظه الله - ، قال حين سأل : " ولماذا النسخ ، هل الله لا يعلم ما سيحدث في المستقبل ؟ " فقال : انا دكتور في الطب وحين يأتي مريض الي يشكوا من مرض ما اصف له دواء واطلب منه مراجعتي ، وحين يأتي في المرة التالية أصف له دواء اخر ، لأني لو وصفت له الدواء الاخير مباشرة لن يتقبله جسمه وسيهاجمه وربما يرفضه ، ولن نصل للنتيجة المرجوة وهي العلاج والشفاء ، فعلى سبيل المثال في بعض الاحيان يجب ان يهيء الجسم لتلقي علاج ما كأن يخفض عدد كريات الدم البيضاء أو ترفع ، أو زيادة نسبة الدم وما الى ذلك. فهل انا لم اكن أعلم بأنه يحتاج الدواء الاخير ؟؟ لا اني اعلم ان شفاءه باذن الله في الدواء الأخير ، ولكن يجب التدريج لكي يتم العلاج ، وهذا بحسب علمي الأرضي بكيف بعلم الله الأزلي .


- انواع النسخ واشكاله من الكتاب والسنة :
الأول : نسخ التلاوة والحكم معًا : ومثاله حديث عائشة قالت: ( كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحُرمن، ثم نُسخن بخمس معلومات ) رواه مسلم وغيره .
  
الثاني : نسخ الحكم وبقاء التلاوة : ومثاله قوله تعالى: { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن   منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين } (الأنفال:66) فهذه الآية نسخت حكم الآية السابقة لها مع بقاء تلاوتها ، وهي قوله تعالى: { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون } (الأنفال:65) .

الثالث : نسخ التلاوة مع بقاء الحكم : ومنه ما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها: ( ثم نسخن بخمس معلومات ) فإن تحديد الرضاع المحرِّم بخمس رضعات،  ثابت حكمًا لا تلاوة


وأتمنى ان يكون ما أسلفته لكم قد افادكم في فهم الناسخ والمنسوخ ، وبعد هذا الموضوع سنخص بمقالة عن النسخ في الكتاب الذي زعمت له القداسة . والله ولي التوفيق .

0 التعليقات

إرسال تعليق